د. فيصل بن عبدالرحمن السويدان
استشاري طب الأعصاب و العناية المركزة للكبار و العناية الحرجة لطب وجراحة الأعصاب بمدينة الملك فهد الطبية – وزارة الصحة
مقدمة:
ظهر مصطلح طب الأعصاب الجنائي أو طب الأعصاب الشرعي مؤخراً، وهو مكمل للطب النفسي الشرعي من خلال وصفه لبعض الأمراض العضوية التي قد تؤثر على دماغ الإنسان وقدرته على اتخاذ القرارات البصيرة وفهم تبعاتها من خلال تعطيل الوظائف العليا للدماغ بشكل دائم أو مؤقت، وبالتالي قد يزول التكليف عنه ويصل به إلى مرحلة قريبة من الجنون فلا يعقل أو يذكر أقواله وأفعاله ذات العلاقة بالقضايا الجنائية سواء كان طرفاً فيها أو شاهداً عليها . ويساعد التشخيص الصحيح للأمراض العصبية التي قد تكون موجودة قبل حدوث الجناية ولا يعلم عنها المريض أو ذووه في الحكم على الأشخاص ذوي العلاقة بالقضايا الجنائية لتقييمهم بالشكل الصحيح، والتأكد من استحقاق العقوبة من عدمها. وحيث إن الطب النفسي الجنائي يتعامل مع الأمراض النفسية بشكل مفصل فقد يستعصي تشخيص بعض الأمراض العضوية للجهاز العصبي، وخاصة الحالات اللحظية لفقدان الوعي أو الإدراك كنوبات الصرع مثلاً، التي لا ينتج عنها تشنج عضلي للمريض مع وجود نوبة صرع مستترة سريرياً في الدماغ .
ومن المعلوم وجوب توفر الأدلة والقرائن الكافية في حال وجود شبهة جنائية تدل على تعمد الشخص القيام بعمل جنائي يستوجب العقوبة، وقد يكون إثبات ذلك صعباً في حالات الإصابة بالأمراض النفسية أو أمراض الجهاز العصبي، وكذلك العكس عند محاولة استخدام ذلك المرض حجة لتخفيف العقوبة في القضايا الجنائية.
الصرع ونوبات التشنجات:
يبدر في حالات نادرة لدى مرضى الصرع أفعال وأقوال لا يتعمد المريض فعلها أو قولها، وتصدر منه بسبب نشاط زائد في كهرباء الدّماغ يؤدي إلى تحفيز بعض أجزائه، وينتج عنها أفعال غير طبيعية أو يفقد المريض بسببها الوعي أو الإدراك لاحقاً، وتبدأ بعدها تشنجات العضلات المعروفة لدى عامة الناس. وبعد انتهاء نوبة الصرع يعود المريض إلى وضعه الطبيعي ولا يذكر ما حدث أثناء النوبة أو بعدها، والنسيان جزء من نوبة الصرع التي تتفاوت في شدتها ومدتها فقد تكون نوبة الصرع مستترة سريرياً وتستمر إلى ساعات أو أيام دون حدوث فقدان الوعي الكامل أو ظهور التشنجات العضلية، ويكون نشاط الكهرباء في جزء محدد من الدماغ ولا تنتشر إلى كافة أجزائه أو قد يكون من الأنواع التي لا يظهر عليها تشنجات عضلية أثناء حدوث نوبة الصرع، ولكن المريض يعاني فقط من تغييرات سلوكية مع فقدان للإدراك دون فقدان للوعي. وعند الاشتباه في إصابة شخص ذي علاقة بقضية جنائية بداء الصرع يلزم أخذ التاريخ المرضي بشكل مفصل، وإجراء الفحوصات اللازمة لتشخيصه كتخطيط الدماغ والتصوير بالأشعة المغناطيسية، واستشارة أطباء الأعصاب للكشف عليه. ومن المعروف أن المخدرات والمسكرات تسبب نوبات الصرع عند أو بعد استخدامها، وذلك لأثرها المحفز على المستقبلات العصبية المركزية أو بإتلافها للخلايا العصبية.
داء السكري وانخفاض السكر في الدم:
ومثال ذلك الحالات التي قد يتعرض لها مرضى السكري أثناء هبوط مستوى السكر في الدم، بسبب عدم تناول الوجبات بانتظام مع أخذ علاج الأنسولين أو الأدوية الخاصة بداء السكري فينقص مستوى السكر في الدم، مما يؤدي إلى نقصه كذلك في الدماغ، وتعد الخلايا العصبية شديدة الاعتماد على السكر كمصدر للطاقة، ولا تقوم باستخدام الدهون أو البروتينات كسائر خلايا الجسم لإنتاج الطاقة، لذلك تظهر علامات نقص السكر بصورة سريعة على الجهاز العصبي، وينتج عنها تصرفات وأفعال لا تصدر عن الإنسان الطبيعي في الأحوال المعتادة.
وتعرف أعراض انخفاض السكر في الدم بزيادة في التعرق، وخفقان في القلب، وعصبية زائدة، وضعف التركيز أو الهذيان، والغالب أن المريض يعاني من عدم انتظام في مستوى السكر خلال الفترة الماضية، وقد يكون بدأ في استخدام دواء جديد أو كان صائماً خلال نوبة هبوط مستوى السكر، وفي الحالات الشديدة قد تنتهي بحدوث تشنجات أو فقدان كامل الوعي والدخول في غيبوبة.
إصابات الرأس ما بعد الحوادث:
قد يتعرض المرضى المصابون بإصابات الرأس بعد تعافيهم إلى حالات نفسية مثل الاكتئاب الشديد أو نوبات الغضب المفرط أو نوبات سوء التقدير والحكم على الأمور. وتكون هذه الأعراض النفسية بسبب إصابة الفص الأمامي للدماغ أو الشبكة الخاصة به التي تربطه مع بقية أجزاء الدماغ ، وترتبط الأعراض النفسية لدى بعض المصابين بحوادث إصابات الرأس بعوامل ما قبل الإصابة بحيث تكون في الأساس مسبباً للحادث الذي تعرض له مثل سمات الشخصية العدوانية أو وجود أمراض نفسية مزمنة أو استخدام سابق للمسكرات أو المخدرات.
وعند وجود نوبات اكتئاب شديدة لم يتم اكتشافها أو علاجها قد يتعدى المريض المصاب بإصابة قديمة في الراس على نفسه ويحاول الانتحار، وفي حال نوبات الغضب المفرط قد يحدث منه تجاوز لفظي أو سلوكي على الغير أو يسيء تقييم المواقف ورد الفعل المناسب لها ما يدفعه إلى اتخاذ ردود أفعال عدائية أو دفاعية مبالغ فيها وخاصة إذا تسببت إصابة الرأس بتلف في الفص الأمامي للدماغ.
داء الزهايمر وأمراض الذاكرة:
من المحتمل أن يكون مريض الزهايمر أو من يعاني من أمراض ضعف الذاكرة طرفاً في إحدى القضايا الجنائية، وفي هذه الحالة قد يصعب عليه تذكر الأحداث أو تسلسلها أو ربطها بعضها بالبعض كما قد يطلب منه أن يدلي بالشهادة في قضية جنائية ، وعند وجود اعتلال في الذاكرة لم يشخّص من قبل تكون النتائج المبنية على المعلومات التي قدمها المريض خاطئة أو مضللة لفريق التحقيق أو للقضاء.
ومن أنواع أمراض ضعف الذاكرة داء ضمور الفص الأمامي والفص الجانبي للدماغ (frontotemporal dementia) و الذي يختلف عن بقية أمراض الذاكرة بضمور محدد في منطقة الفص الأمامي والجانبي للدماغ ، وينتج عنه أعراض سلوكية عدوانية أو شكوك مرضية أو خوف مفرط أو صدور تصرفات لا أخلاقية من المريض مع ضعف الذاكرة المزمن كما هو الحال في مرض الزهايمر.
ختاماً، ومع تطور كافة العلوم الجنائية قد يشهد تخصص طب الأعصاب الشرعي المزيد من التقدم من خلال الدراسات والأبحاث والعمل المشترك بينه وبين الطب النفسي الشرعي كما هو معروف في الممارسة الطبية المعتادة، حيث يقدم الأطباء في طب الأعصاب والطب النفسي الاستشارة فيما بينهم لمساعدة المريض وذويه للوصول إلى التشخيص الصحيح والعلاج المناسب -بإذن الله-.
المراجع :
1- Lyketsos CG, Kozauer N, Rabins PV. Psychiatric manifestations of neurologic
disease: where are we headed?. Dialogues Clin Neurosci. 2007;9(2):111-24.
2- Gideon Yaffe, Chapter 29 – Neurologic
disorder and criminal responsibility, Editor(s): James L. Bernat, H. Richard
Beresford,
Handbook of Clinical Neurology, Elsevier, Volume
118, 2013, Pages 345-356.
3- Alzheimer Society of Ontario / Canada
مرتبط
Tagged الطب الشرعيطب الأعصاب