تاريخ علم الحشرات الجنائي:
يذكر في التاريخ أن أول استخدام للحشرات في التحقيقات الجنائية كان في الصين عام 1235م، حين تم كشف غموض قضية مقتل مزارع صيني بضربة منجل عميقة، فطلب زعيم القرية من المزارعين إحضار مناجلهم، ووضعها على الأرض، وعدم عمل أي حركة، وما هي إلا دقائق حتى تجمع الذباب على أحد هذه المناجل وانكشف القاتل؛ بسبب آثار الدم واللحم على منجله الذي استخدمه للجريمة، بالرغم من اجتهاده في تنظيفه لإخفاء جريمته؛ فالذباب جذبته رائحة الدم حتى بعد غسل المنجل.
تم نشر هذه الحادثة لأول مرة في الصين عام 1247م في كتاب The washing way of life الذي كتبه المحامي والتحري سونج تسو Sung Tz’u، حيث عرض فيه العديد من حالات الوفيات البشرية التي تعامل معها، وسجل من خلالها ملاحظاته.
لقد خاض سونج في تفاصيل كيفية دراسة الجثث قبل وبعد الدفن، كما فسر العملية التي تقود إلى فهم كيفية تحديد السبب المحتمل للوفاة، وبذلك اعتُبرت التفاصيل الدقيقة التي ذكرها من واقع ملاحظاته من الأساسيات التي اعتمد عليها علماء علم الحشرات الجنائي الحديث، على الرغم من أن العلاقة بين بيض الذباب ويرقاته Maggots لم يتم اكتشافها بعد.
كما أسهمت التجارب العلمية الشهيرة التي قام بها الطبيب الإيطالي فرانسيسكو Francesco L. Redi في عام 1668م إسهاماً واضحاً في علم الحشرات، وإلى دحض نظرية التوالد الذاتي للحياة Spontaneous Generation Abiogenesis ، حيث كان ُيعتقد أن يرقات الذباب تخرج تلقائيًا من اللحوم المتعفنة في ظل الظروف المناسبة.
لقد قام بدراسة اللحوم المتعفنة المكشوفة والمحمية من الذباب، ووصل من خلال تحليلاته إلى أن كلاً من اللحوم المتعفنة المكشوفة كاملاً والمكشوفة جزئياً ظهرت فيها يرقات الذباب Maggots. أما اللحوم المتعفنة التي لم تتعرض للجو فلم تظهر فيها أي يرقات، فكان لهذا الاكتشاف بالإضافة لدحض نظرية التوالد الذاتي أنه غيّر الطريقة التي ينظر بها الناس إلى تحلل الكائنات الحية، وأسهم في المزيد من الدراسة عن دورات حياة الحشرات وعن علم الحشرات بشكل عام.
في عام 1855م قام الطبيب بيرجريت Bergeret d’Arbois بتطبيق “الحشرات الجنائي” على قضية جنائية، وتم نشرها كتقرير حالة Case Report.
واعتبر ذلك أول تطبيق جنائي فعلي لعلم الحشرات الجنائي؛ فعندما جمع حشرات من جثة طفل رضيع وجدت في إحدى المنازل أقر أن الحشرات المرفوعة تدل على حالة من التحلل تعود لعدة سنوات ماضية، وبالتالي فإن الذنب ألقي على قاطني المنزل السابقين وليس المتواجدين وقت اكتشاف الجثة.
وقد وصف في تقريره دورة حياة الحشرات، وقّدم العديد من الفرضيات، وكانت دراساته مماثلة جداً للتقنيات التي لا تزال مستخدمة في وقتنا الحاضر في علم الحشرات الجنائي من حيث تقدير عمر الجثة، وتتابع غزو أنواع من الحشرات للجثث.
أما أول دراسة منهجية في علم الحشرات الجنائي فكانت في عام 1881م والتي قام بها الطبيب الألماني رينارد H. Reinhard ، ولعبت دوراً حيوياً في تاريخ علم الحشرات الجنائي، فبدراسة العديد من الجثث بيّن أن تطور أنواع الحشرات يمكن أن يكون مرتبطاً بالجثث المدفونة.
وقد بنيت على دراساته المزيد من الأبحاث والدراسات اللاحقة على نطاق واسع. ونشر ميجنين Megnin في فرنسا سلسلة من المقالات حول علم الحشرات الجنائي في الفترة ما بين عام 1883 و 1898م. وتوالت بعد ذلك الأبحاث في علم الحشرات وتطبيقات فرعه الجنائي بشكل مكثّف إلى أن أصبح علماء علم الحشرات الجنائي جزءاً أساسياً في التحقيقات الجنائية في كثير من بلدان العالم في عصرنا الحالي.